الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
{ياأيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم} يعني صدقة التطوّع والنفقة في الخير {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} [...] {وَلاَ خُلَّةٌ} ولا صداقة {وَلاَ شَفَاعَةٌ} إلاّ بإذن الله، قرأها كلّها بالنصب ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وقرأ الباقون كلّها بالرفع والتنوين، وكلا الوجهين سائغ في العربيّة.{والكافرون هُمُ الظالمون} لأنّهم وضعوا العبادة في غير موضعها.
{وَلاَ نَوْمٌ} والنوم هو المستثقل المزيل للقوّة والعقل، فنفى الله تعالى عن نفسه النوم لأنّه آفة ولا يجوز عليه الآفات ولأنّه تغيّر ولا يجوز عليه تغيّر الأحوال، ولأنّه قهر والله تعالى قاهر غير مقهور، ولأنّه للإستراحة ولا يناله تعب فيسترح ولأنّه أخ الموت.محمد بن المنكدر عن جابر قال: «سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أينام أهل الجنّة؟قال: لا: النوم أخ الموت ولا يموت أهل الجنّة» ولأنّه لو نام العقل ولو غفل لأختلّ ملكه وتدبيره.أبو عبيدة عن أبي موسى قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: إنّ الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ولكنّه يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».عكرمة عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر قال: «وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ، فأرسل الله إليه مَلَكاً فأرّقه ثلاثاً ثم أعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما، قال: فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ويحبس أحدهما عن الأخرى حتّى نام نومه واصطكت يداه فانكسرت القارورتان».قال: ضرب الله تعالى مثلاً أن الله سبحانه لو نام لم يستمسك السماء والأرض.{لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} ملكاً وخلقاً. {مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} بأمره، قال أهل الاشارة: في هذه الآية جذب بها قلوب عباده إليه عاجلاً وآجلاً فسبحان مَنْ لا وسيلة إليه.الآية: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} قال مجاهد وعطاء والحكم والسدي: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمر الدنيا {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أمر الآخرة.الضحاك والكلبي: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} يعني الآخرة لأنّه يقدمون عليها {وَمَا خَلْفَهُمْ} الدنيا لأنّهم يخلفونها ابن جريج: {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} يعني ما كان قبل خلق الملائكة {وَمَا خَلْفَهُمْ} وما يكون بعد خلقهم.وقيل: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} يعني ما فعلوه من خير وشرّ {وَمَا خَلْفَهُمْ} وأمامهم ما فعلوه.{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} أي علم الله {إِلاَّ بِمَا شَآءَ} أن يعلّمهم ويطلعهم عليه {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض} أي ملأ وأحاط به، واختلفوا في الكرسي، فقال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد: علمه، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب: كراسة.ومنه قول الراجز في صفة قانص: يعني: علم.ويقال للعلماء: الكراسيّ.قال الشاعر: وقال بعضهم: سلطانه وملكه وقدرته.والعرب تُسمّي أصل كلّ شيء الكرسي.يقال: فلان كريم الكرسي أي الأصل.قال العجاج: قال الثعلبي: رأيت في بعض التفاسير {كُرْسِيُّهُ}: سرّه.وأنشدوا فيه: وزعم محمد بن جرير الطبري أن الكرسي: الأجل، أي وسع أجله السماوات والأرض.وقال أبو موسى والسدّي وغيرهما: هو الكرسي بعينه، وهو لؤلؤ، وما السماوات السبع في الكرسي إلاّ كدراهم سبعة ألقيت في ترس.وقال عليّ ومقاتل: كلّ قامة من الكرسي طولها مثل السماوات السبع والأرضين السبع وهو بين يدي العرش، ويحمل الكرسي أربعة أملاك لكلّ مَلَك أربعة وجوه أقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمس مائة عام:مَلَك على صورة سيّد البشر آدم عليه السلام وهو يسأل للآدميين الرزق والمطر من السنة إلى السنة، وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل من دون الله، ومَلَك على صورة سيّد الأنعام وهو الثور وهو يسأل للأنعام الرزق من السنة إلى السنة وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل من دون الله، ومَلَك على صورة سيّد السباع وهو الأسد يسأل الرزق للسباع من السنة إلى السنة، ومَلَك على صورة سيّد الطير وهو النسر يسال الله الرزق للطيور من السنة إلى السنة.أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر قال: قلت:يارسول الله إيّما آي أنزل عليك أعظم؟قال: «آية الكرسي».ثم قال: «يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلاّ كحلقة من حديد ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة».وفي بعض الأخبار أن بين حملة العرش وبين حملة الكرسي سبعين حجاباً من ظلمة وسبعين حجاباً من نور، غَلِظ كلّ حجاب مسيرة خمس مائة عام، لولا ذلك لأحترقت حملة الكرسي من نور حملة العرش.قال الحسن البصري: الكرسي هو العرش بعينه. وحكى الأُستاذ أبو سعيد عبد الملك عن أبي عثمان الزاهد عن بعض المتقدّمين: أنّ الكرسي اسم مَلَك من الملائكة أضافه إلى نفسه تخصيصاً وتفضيلاً فنبّه به عباده على عظمته وقدرته.فقال: إن خلقاً من خلقي وسع السماوات والأرض فيكف تقدر قدرتي وتعرف عظمتي. والله أعلم.{وَلاَ يَؤُودُهُ} أي لا يثقله ولا يجهده ولا يشق عليه.قالت الخنساء: وقيل: يؤوده أي يسقطه من ثقله.قال الشاعر: {حِفْظُهُمَا} حفظ السماوات والأرض {وَهُوَ العلي} الرفيع فوق خلقه في التدبير والقوّة والقدرة لا بالمسافة والمكان والجهة {العظيم} فلا شيء أعظم منه.قال المفسّرون: سبب نزول هذه الآية أنّ الكفّار كانوا يعبدون الأصنام ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى لاَ انفصام لَهَا والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الآية. قال مجاهد: «نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يكنّى أبو الحصين وكان له ابنان فقدم تجّار الشام إلى المدينة يحملون الزيت فلما أراد الرجوع إلى المدينة أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانيّة فتنصّرا وخرجا إلى الشام، فأخبر أبو الحصين رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم اطلبهما، فانزل الله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} فقال صلى الله عليه وسلم» أبعدهما الله فهما أوّل مَنْ كفر «فوجد أبو الحصين في نفسه على النبيّ صلى الله عليه وسلم حين لم يبعث في طلبهما فأنزل الله تعالى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] الآية».قال: وكان هذا قبل أن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال أهل الكتاب ثم نسخ قوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} وأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة.وهكذا قال ابن مسعود وابن زيد: أنّها منسوخة بآية السيف، وقال الباقون: هي محكمة.سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مثقلاً لا يعيش لها ولد ونذوراً فتنذر لئن عاش لها ولد لتهوّدنّه، فجاء الإسلام وفيهم منهم، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم أناس من الأنصار فقالت الأنصار: يا رسول الله أبناؤنا وأخواننا، فكست عنهم صلى الله عليه وسلم فنزلت: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين}. الآية.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد خُيّر أصحابكم فإن اختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فاجعلوهم معهم».قال: وكان الفصل مابين الأنصار واليهود إجلاء بني النضير فمن لحق بهم اختارهم ومن أقام اختار الإسلام. وقال المفسّرون: «كان لرجل من الأنصار من بني سالم ابنان فتنصّرا قبل أن يبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام فأتاهما أبوهما فلزمهما وقال: لا ادعكما حتى تُسلما، فأبيا أن يسلما فأختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟فأنزل الله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} الآية، فخلّى سبيلهما».ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان ناس مسترضعين في اليهود قريظة والنظير فلما أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بإجلاء بني النضير فقال نسائهم من الأوس الذين كانوا مسترضعين فيهم: لنذهبن معهم ولتذنبن بذنبهم فمنعهم أهلوهم وأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت هذه الآية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين}.قتادة والضحاك وعطاء وأبو روق والواقدي: معنى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} بعد إسلام العرب إذا قبلوا الجزية، وذلك أن العرب كانت أمّة أميّة لم يكن لهم دين ولا كتاب فلم يقبل عنهم إلاّ الإسلام أو السيف وأكرهوا على الإسلام فلم يقبل منهم الجزية، ولما أسلموا ولم يبق أحد من العرب إلاّ دخل في الإسلام طوعاً أو كرهاً، أنزل الله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} فأمر أن يقاتل أهل الكتاب والمجوس والصابئين على أن يسلموا أو أن يقرّوا بالجزيّة فمن أقرّ منهم بالجزية قُبلت منه وخلّى سبيله ولم يكره على الإسلام.وقال مقاتل:كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يقبل الجزية إلاّ من أهل الكتاب، فلما أسلمت العرب طوعاً أو كرهاً، قبل الخراج من غير أهل الكتاب فكتب النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوي وأهل هُجر يدعوهم إلى الإسلام: «إن مَنْ شهد شهادتنا وصلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وكان بديننا فذلك المسلم الذي له ذمّة الله وذمّة رسوله، فإن أسلمتم فلكم مالنا وعليكم ما علينا ومَنْ أبى الإسلام فعليه الجزية».فكتب المنذر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم إنّي قرأت كتابك على أهل هجر فمنهم مَنْ أسلم ومنهم مَنْ أبى، فأمّا اليهود والمجوس فأقرّوا الجزيّة وكرهوا الإسلام فرضي النبيّ صلى الله عليه وسلم منهم بالجزية، فقال منافقوا أهل المدينة: زعم محمد أنّه لم يؤمر بأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب فما باله قبله من مجوس هجر وقد ردّ ذلك على آبائنا وأخواننا حتّى قتلهم، فشق ذلك على المسلمين، فذكروا ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} يعني بعد إسلام العرب.وروى شريك عن عبد الله بن أبي هلال عن وسق قال: كنت مملوكاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وكنت نصرانيّاً وكان يقول: يا وسق أسلم فإنّك لو أسلمت لولّيتك بعض أعمال المسلمين فإنّه ليس يصلح أن يلي أمرهم مَنْ ليس على دينهم، فأبيت عليه فقال: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} فلما مات أعتقني، وقال ابن أبي نجيح: سمعت مجاهداً يقول لغلام له نصراني: يا جرير أسلم، ثم قال: هكذا كان يقال: أم لا يكرهون.وقال الزجاج وغيره: هو من قول العرب: أكرهت الرجل إذا نسبته إلى الكره كما يقال: أكفرته وأفسقته وأظلمته إذا نسبته إليها.قال الكميت: ومعنى الآية: لا تقولوا لمن دخل بعد الحرب في الإسلام: أنّه دخل مكرهاً، ولا تنسبوا فمن دخل في الإسلام إلى الكره يدلّ عليه قوله: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً}[النساء: 94].{قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي} قد ظهر الكفر من الإيمان والهدى من الضلالة والحق من الباطل، عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «مَنْ أطاع الله ورسوله فقد رشد».وعن مقاتل بن حسّان قال: زعم الضحاك أن الناس لما دخلوا في الإسلام طوعاً أو كرها ولم يبق من عدو نبيّ الله من مشركي العرب أحد إلاّ دخلوا في الإسلام طوعاً أو كرها وأكمل الدين نزل: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي} مَنْ شاء أسلم ومَنْ شاء أعطى الجزية.وقرأ الحسن ومجاهد والاعرج {الرشد} بفتح الراء والشين وهما لغتان كالحزن والحزن والبُخل والبَخل.وقرأ عيسى بن عمر: {الرشد} بضمّتين.وقرأ الباقون بضم الراء وجزم الشين وهما لغتان كالرُعب والرَعب، والسُحت والسَحت.{فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت} يعني الشيطان، قاله ابن عمرو ابن عباس ومقاتل والكلبي.وقيل: هو الصنم، وقيل: الكاهن، وقيل: هو كلّ ما عُبد من دون الله.وقال أهل المعاني: الطاغوت: كلّ مايغطي الإنسان، وهو فاعول من الطغيان زيدت التاء فيه بدلاً من لام الفعل، كقوله: حانوت وتابوت.وقال أهل الاشارة: طاغوت كلّ امرئ نفسه بيانه قوله: {إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء} [يوسف: 53] الآية.{وَيْؤْمِن بالله} عن سعيد قال: الإيمان: التصديق، والتصديق أن يعمل العبد مما صدّق به من القرآن.وعن ابن عباس قال: أخبر الله تعالى إنّ الإيمان هو العروة الوثقى ولا يقبل عمل إلاّ به، وعن ابن عباس أيضاً قال: أخبر الله تعالى أنّ الإيمان لا إله إلاّ الله.{فَقَدِ استمسك} تمسك واعتصم {بالعروة الوثقى} بالعصمة الوثيقة المحكمة {لاَ انفصام لَهَا والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ * الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} أي ناصرهم ومعينهم وقيل محبهم وقيل متولي أمرهم لا يكلهم إلى غيره. يقال: توليت أمر فلان وولّيته ولاية بكسر الواو، وقيل: أولى وأحق بهم لأنّه يربّهم، وقال الحسن: ولي هداهم.{يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور} أي من الكفر والضلالة إلى الإيمان والهداية، وكذلك كانوا في علم الله عزّ وجلّ قبل أنّ يخلقهم، فلما خلقهم مضى فيهم علمه فآمنوا.وقال الواقدي: كلّ شيء في القرآن من الظلمات والنور فإنّه أراد به الكفر والإيمان غير التي في سورة الأنعام {وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1] فإنّه يعني به الليل والنهار.قال ابن عباس: هؤلاء قوم كفروا بعيسى عليه السلام ثم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فأخرجهم من الكفر بعيسى إلى إيمانهم بالمصطفى وسائر الأنبياء عليهم السلام، وقال غيره: هو عام لجميع المؤمنين، وقال ابن عطاء: هذه الآية تغنيهم من صفاتهم بصفة فيصيرون قائمين بالحق للحق مع الحق.الواسطي: يخرجهم من ظلمات نفوسهم إلى آدابها كالرضا والصدق والتوكّل والمعرفة والمحبّة.أبو عثمان: يخرجهم من رؤية الأفعال إلى رؤية المنن والأفضال، وقيل: يخرجهم من ظلمات الوحشة والفرقة إلى نور الوصيلة والقربة.{والذين كفروا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت} هكذا قرأه العامّة وقرأ الحسن الطواغيت على الجمع.قال أبو حاتم: العرب تجعل الطاغوت واحداً وجمعاً ومذكّراً ومؤنّثاً.قال الله تعالى في الواحد والمذكّر {يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} [النساء: 60].وقال في المؤنّث: {والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا} [الزمر: 17] وقال في الجمع: {يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النور إِلَى الظلمات}.قال ابن عباس: يعني بالطاغوت الشيطان.قال مقاتل يعني كعب بن الأشرف، ويحيى بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة يُخرجونهم ويدعونهم من النور إلى الظلمات، دليله قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور} [إبراهيم: 5] يعني أدعوهم.فإن قيل: ما وجه قوله: {يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النور إِلَى الظلمات} وهم كفّار لم يكونوا في نور قط وكيف يخرجونهم ممّا لم يدخلوا فيه.فالجواب ما قال مقاتل وقتادة: هم اليهود كانوا مؤمنين بمحمّد صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث فلما بُعث كفروا به وجحدوا ما وجدوه في كتبهم من نعته وصفته ونبوّته بيانه قوله: {فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} [البقرة: 89] فذلك خروجهم من النور يعني بإيمانهم بمحمد قبل البعث، ويعني بالظلمات كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد البعث، والإدخال والإخراج إلى الله عزّ وجلّ لا إلى غيره إلاّ على سبيل الشريعة والتفريع. قال الله عزّ وجلّ: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80]، وأجراها أهل المعاني على العموم في جميع الكفّار.وقالوا: منعه إياهم من الدخول فيه إخراج، وهذا كما يقول الرجل لأبيه: أخرجتني من مالك ولم يكن فيه، فقال الله تعالى إخباراً عن يوسف: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله} [يوسف: 37] ولم يكن أبداً على دينهم حتّى تركه قال الله تعالى {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر} [النحل: 70] ولم يكن فيه قط.وقال أمرؤ القيس: وقال آخر: ولم يكن عبداً قط.وقال الغنوي:
|